ثم أرى موسى آية على قدرته، فقال: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تتحرك، {كَأَنَّهَا جَانٌّ} وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها، {وَلَّى مُدْبِرًا} هرب من الخوف، {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع، يقال: عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب. وقال قتادة: ولم يلتفت، فقال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} يريد إذا آمنتهم لا يخافون، أما الخوف الذي هو شرط الإيمان فلا يفارقهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أخشاكم لله». وقوله: {إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} واختلف في هذا الاستثناء، قيل: هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك، ثم تاب فقال: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فغفر له. قال ابن جريج: قال الله تعالى لموسى: إنما أخفتك لقتلك النفس. وقال: معنى الآية: لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتى يتوب، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحًا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله: {إِلا مَنْ ظُلِمَ} ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة. وفي الآية متروك استُغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه، تقديره: فمن ظَلَمَ ثم بدَّل حسنًا بعد سوء فإني غفور رحيم.وقال بعض العلماء: ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم، بل هو استثناء من المتروك في الكلام، معناه: لا يخاف لديَّ المرسلون، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين، إلا من ظلم ثم تاب، وهذا من الاستثناء المنقطع، معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف، فإن تاب وبدَّل حسنًا بعد سوء فإن الله غفور رحيم، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه.وقال بعض النحويين: «إلا» هاهنا بمعنى: ولا يعني: لا يخاف لديّ المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء، يقول: لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون، كقوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} [البقرة- 150]، يعني: ولا الذين ظلموا.