سورة النمل - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


ثم أرى موسى آية على قدرته، فقال: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} تتحرك، {كَأَنَّهَا جَانٌّ} وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها، {وَلَّى مُدْبِرًا} هرب من الخوف، {وَلَمْ يُعَقِّبْ} لم يرجع، يقال: عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب. وقال قتادة: ولم يلتفت، فقال الله عز وجل: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} يريد إذا آمنتهم لا يخافون، أما الخوف الذي هو شرط الإيمان فلا يفارقهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا أخشاكم لله». وقوله: {إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} واختلف في هذا الاستثناء، قيل: هذا إشارة إلى أن موسى حين قتل القبطي خاف من ذلك، ثم تاب فقال: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فغفر له. قال ابن جريج: قال الله تعالى لموسى: إنما أخفتك لقتلك النفس. وقال: معنى الآية: لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتى يتوب، فعلى هذا التأويل يكون الاستثناء صحيحًا وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله: {إِلا مَنْ ظُلِمَ} ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الناس كافة. وفي الآية متروك استُغني عن ذكره بدلالة الكلام عليه، تقديره: فمن ظَلَمَ ثم بدَّل حسنًا بعد سوء فإني غفور رحيم.
وقال بعض العلماء: ليس هذا باستثناء من المرسلين لأنه لا يجوز عليهم الظلم، بل هو استثناء من المتروك في الكلام، معناه: لا يخاف لديَّ المرسلون، إنما الخوف على غيرهم من الظالمين، إلا من ظلم ثم تاب، وهذا من الاستثناء المنقطع، معناه لكن من ظلم من سائر الناس فإنه يخاف، فإن تاب وبدَّل حسنًا بعد سوء فإن الله غفور رحيم، يعني يغفر الله له ويزيل الخوف عنه.
وقال بعض النحويين: «إلا» هاهنا بمعنى: ولا يعني: لا يخاف لديّ المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنًا بعد سوء، يقول: لا يخاف لدي المرسلون ولا المذنبون التائبون، كقوله تعالى: {لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم} [البقرة- 150]، يعني: ولا الذين ظلموا.


ثم أراه الله آية أخرى فقال: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} والجيب حيث جيب من القميص، أي: قطع، قال أهل التفسير: كانت عليه مدرعة من صوف لا كم لها ولا أزرار، فأدخل يده في جيبه وأخرجها، فإذا هي تبرق مثل البرق، فذلك قوله: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير برص، {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} يقول هذه آية مع تسع آيات أنت مرسل بهن، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} بينة واضحة يبصر بها، {قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ظاهر. {وَجَحَدُوا بِهَا} أي: أنكروا الآيات ولم يقروا أنها من عند الله، {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} أي: علموا أنها من عند الله، قوله: {ظُلْمًا وَعُلُوًّا} أي: شركًا وتكبرًا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} أي: علم القضاء ومنطق الطير والدواب وتسخير الشياطين وتسبيح الجبال، {وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا} بالنبوة والكتاب وتسخير الشياطين والجن والإنس {عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}.


{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} نبوته وعلمه وملكه دون سائر أولاده وكان لداود تسعة عشر ابنًا، وأعطي سليمان ما أعطي داود من الملك، وزيد له تسخير الريح وتسخير الشياطين. قال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكًا من داود وأقضى منه، وكان داود أشد تعبدًا من سليمان، وكان سليمان شاكرًا لنعم الله تعالى.
{وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} سمَّى صوت الطير منطقًا لحصول الفهم منه، كما يفهم من كلام الناس. روي عن كعب قال صاح وَرَشان عند سليمان عليه السلام، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: إنه يقول لدوا للموت وابنُوا للخراب، وصاحت فاختة، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا قال: إنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاووس، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: كما تدين تدان، وصاح هدهد، فقال: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: من لا يرحم لا يرحم، وصاح صرد، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: استغفروا الله يا مذنبين، قال: وصاحت طوطى، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا قال: فإنها تقول: كل حي ميت وكل حديد بال، وصاح خطاف، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: قدموا خيرًا تجدوه، وهدرت حمامة، فقال: أتدرون ما تقول؟ قالوا: لا قال: فإنها تقول: سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه، وصاح قمري، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: سبحان ربي الأعلى، قال: والغراب يدعو على العشَّار، والحِدَأة تقول: كل شيء هالك إلا الله، والقطاة تقول: من سكت سلم، والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه، والضفدع يقول: سبحان ربي القدوس، والبازي يقول: سبحان ربي وبحمده، والضفدعة تقول: سبحان المذكور بكل لسان. وعن مكحول قال: صاح دراج عند سليمان، فقال: هل تدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: الرحمن على العرش استوى.
وعن فرقد السبخي قال مر سليمان على بلبل فوق شجر يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول هذا البلبل؟ فقالوا الله ونبيه أعلم، قال يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء. وروي أن جماعة من اليهود قالوا لابن عباس: إنا سائلوك عن سبعة أشياء فإن أخبرتنا آمنا وصدقنا، قال: سلوا تفقهًا ولا تسألوا تعنتًا، قالوا: أخبرنا ما يقول القنبر في صفيره، والديك في صقيعه، والضفدع في نقيقه، والحمار في نهيقه، والفرس في صهيله، وماذا يقول الزرزور والدراج؟ قال: نعم، أما القنبر فيقول: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد، وأما الديك فيقول: اذكروا الله يا غافلين، وأما الضفدع فيقول: سبحان المعبود في لجج البحار، وأما الحمار فيقول: اللهم العن العشار، وأما الفرس فيقول: إذا التقى الصفان سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وأما الزرزور فيقول: اللهم إني أسألك قوت يوم بيوم يا رازق، وأما الدراج فيقول: الرحمن على العرش استوى، قال: فأسلم اليهود وحسن إسلامهم.
وروي عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي قال: إذا صاح النسر قال: يا ابن آدم، عش ما شئت آخره الموت، وإذا صاح العقاب قال: في البعد من الناس أنس، وإذا صاح القنبر قال: إلهي العن مبغضي آل محمد، وإذا صاح الخطاف، قرأ: الحمد لله رب العالمين، ويمد الضالين كما يمد القارئ. قوله تعالى: {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يؤتى الأنبياء والملوك، قال ابن عباس: من أمر الدنيا والآخرة. وقال مقاتل: يعني النبوة والملك وتسخير الجن والشياطين والرياح، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} الزيادة الظاهرة على ما أعطى غيرنا. وروى أن سليمان عليه السلام أعطي مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر، ملك جميع أهل الدنيا من الجن والإنس والدواب والطير والسباع وأعطي على ذلك منطق كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8